"وجه القاهرة الجميل.. "مدينة الألف مئذنة
" ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد ، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجادّ وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، قهرت قاهرتها الأمم، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، أرضها كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة."
هكذا وصف الرحالة الشهير ابن بطوطة مدينة القاهرة في تحفته الشهيرة، وإن كلامه لصدق وحقيقة يؤكدها الواقع، ولعلك لو نظرت يوماً إلى القاهرة من أعلى لانبهرت بمدى الاختلاف والتنوع المعماري الذي تظهره أبنيتها، خاصة ذلك العدد الهائل من المآذن التي ترتفع في سمائها، كل واحدة تبرز بنفسها متفردة بجمالها وفرادة طرازها المعماري، كأنها تحكي قصة مختلفة من حكايا القاهرة ذات الأصالة والجمال.
مدينة المآذن
القاهرة هي عاصمة مصر منذ زمن الفاطميين، بناها جوهر الصقلي عام 358ه/ 969م في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، ومن بين ألقابها الكثيرة يظل لقب "مدينة الألف مئذنة" واحداً من أكثر ألقابها شيوعاً، ولا عجب في ذلك إذ تتميز المدينة بعدد هائل من المساجد يزيد على ثلاثة آلاف مسجد، والمآذن فيها تختلف فيما بينها في الشكل والحجم، وتتنوع تنوعاً يبرز عراقة المدينة وأصالتها، إذ بنيت المساجد فيها على أنماط معمارية مختلفة نتيجة لتعاقب الدول التي حكمت المدينة، فالفاطميون والعباسيون والعثمانيون وغيرهم كلّ ترك آثاره على أرضها منذ زمان الفتح الأول على يد عمرو بن العاص.
مسجد أحمد بن طولون
من بين أكثر المآذن تميزاً تبرز مئذنة جامع أحمد بن طولون، الملك الذي بنى المسجد عام 879 م على ربوة صخرية كانت تسمى جبل يشكر بمدينة القطائع وهي المدينة التي أنشأها بن طولون عاصمة لدولته، وقد كان لنشأة ابن طولون في العراق أثراً واضحاً في عمارة المسجد، إذ بنيت مئذنته ذات الطراز الفريد الذي لا يوجد له مثيل في مصر على طراز المئذنة الملوية في سامراء بالعراق، يلتف حولها سلم يصل إلى سطحها، ولعل أجمل ما في المسجد أنه يعتبر أقدم مسجد في مصر يحتفظ بحالته الأصلية حتى يومنا هذا.
https://www.instagram.com/share/BAGzDwOPY6
اقرأ مادتنا المميزة والمفصلة عن مسجد ابن طولون
الجامع الأزهر.. صرح العلم والجمال
من أشهر المساجد في العالم الإسلامي، بدأ بناؤه عام 970م على يد القائد الفاطمي جوهر الصقلي ليكون مركزا لنشر المذهب الشيعي في مصر، ولكن دخول الأيوبيين إلى مصر بعد ذلك أعاد توجيه بوصلته الفقهية، وهو أول مسجد وضع في القاهرة بعد إنشائها، ويُعد جامعاً وجامعة منذ أكثر من ألف عام، وسُمي بهذا الاسم نسبة للسيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بين ما يتميز به هذا الصرح التاريخي مئذنته الشهيرة التي تعرف بمئذنة قنصوه الغوري نسبة إلى السلطان المملوكي الذي بناها، وهي مئذنة فريدة لها رأس مزدوج تبعاً لنمط معماري ميز عدداً من المساجد الأخرى التي بنيت في العصر المملوكي.
مسجد المرمر
يُعرف جامع محمد على باشا الذي بدأ بناؤه عام 1830م بمسجد المرمر إذ يتميز بجدرانه الممردة برخام الألبستر النادر، والتي تجعله واحداً من التحف المعمارية التي تزخر بها القاهرة. بناه محمد على باشا على جبل المقطم بين أسوار قلعة صلاح الدين، وقد جاء بناؤه تأثراً بالمساجد العثمانية من حيث القباب الكثيرة والمآذن المدببة، ويتميز هذا المسجد بمئذنتيه الشاهقتين الأعلى بمصر.
إن نظرة واحدة إلى القاهرة كفيلة بأن تحرك في النفس بواعث الجمال، وكل باحث أو مهتم بتاريخ القاهرة يدرك تماما أن المساجد والمآذن فيها تتعدى حدود وظيفتها الروحانية، ليتخذ وجودها شكلا أكثر شمولية بوصفها شاهدا على التاريخ السياسي والعمراني والاجتماعي للقاهرة العظيمة، ولعل الحضارة الإسلامية لو أرادات نموذجا على ما خلفته من جمال وتنوع لكانت القاهرة خير مثال على ذلك.
المصادر:
كتاب
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
مقالات من CNN والجزيرة