ميدان التحرير

 

 

 

لم تخل حياة الشعوب العربية يومًا من نضال، سواء ضد الاستعمار الأجنبي أو في وجه ظلم الحكومات الاستبدادية، وطوال عقود كانت الشوارع والميادين الرئيسية مسرحاً للتظاهرات والتغييرات السياسية.

 

ميدان التحرير: أيقونة النضال السياسي في مصر

 

ميدان الإسماعيلية:

يعد ميدان التحرير بالقاهرة، أيقونة لتلك الحالة من النضال السياسي في مصر، بما حمله الميدان من تاريخ طويل منذ أنشأه الخديوي إسماعيل عام 1865 على الطراز الفرنسي، بشكل يتشابه مع ميدان «الشانزليزيه» في باريس حيث تتلاقى عنده شوارع وسط المدينة، ولذلك سُمي في البداية ميدان «الإسماعيلية» نسبة إلى الخديوي.

 

ثكنة للاحتلال:

عقب احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، جذب موقع الميدان وتصميمه الهندسي الأوروبي الاحتلال وجعلهم يفكرون بالاستيلاء على الثكنات الملكية الرئيسة في الطرف الشمالي الغربي من ميدان الإسماعيلية، لتصبح مقرًا لجيش الاحتلال.

 

مقاومة الإنجليز من قلب التحرير

سرعان ما أصبح موقع الميدان ساحة مواجهة. فقد تظاهر المصريون ضد البريطانيين أمام ثكناتهم طوال حقبة الاحتلال، وتلا ذلك اشتباكات بلغت ذروتها خلال ثورة 1919، خاصة أن شوارع الميدان كانت تؤدي إلي مقر المندوب السامي البريطاني، بالإضافة إلى بيت الزعيم سعد زغلول"بيت الأمة" وإلى وزارة الداخلية ومجلس النواب و قصر عابدين حيث الملك.

 

بحلول عام 1935 شغر الميدان احتجاجات طلابية استنكارًا لتعطيل العمل بدستور 1930 وتأجيل خطوة إعلان دستور جديد تتوافق عليه الأمة، ما أثار غضب طلبة جامعة فؤاد الأول(جامعة القاهرة) فقرروا إعلان الإضراب العام في يوم الثالث عشر من نوفمبر، لتحدث صدامات بينهم وبين رجال الشرطة، استمرّت أسبوعين سقط فيها عدد من القتلى، ليمتد أثرها للأقاليم وتنجح في إعادة العمل بدستور 1930.

 

، شهد الميدان جولة جديدة من محاربة الاحتلال عام 1946م وذلك على خلفية الطريق المسدود الذي وصلت إليه الجولة التفاوضية بين الحكومة المصرية برئاسة النقراشي وبين الإنجليز بشأن إعادة النظر في معاهدة 1936 وبدء مفاوضات جديدة حول جلاء القوات البريطانية عن مصر، لكن بريطانيا تمسكت ببقاء قواتها لتأمين قناة السويس حينها

 

تصاعد الموقف الثوري للطلبة وانضم لهم العمال في مظاهرة كبرى انطلقت من جامعة القاهرة إلي "كوبري عباس" الذي يصل الجامعة بميدان التحرير، اصطدمت المظاهرة بقوات الشرطة التي فتحت الكوبري على المتظاهرين فسقط بعضهم في النيل، وانتشرت المظاهرات من ميدان التحرير إلي بقية أنحاء القاهرة والأقاليم واتفقت القوي السياسية علي مطلب واحد وهو جلاء الإنجليز التام عن مصر، والقيام بإضراب عام ومظاهرات سلمية يوم 21 فبراير وأطلق علي هذا اليوم' يوم الجلاء'. 

 

ثورة 1952 وإعادة تشكيل هوية الميدان
 

بعد حركة 23 يوليو 1952 استهدف النظام الجديد طرد الاحتلال البريطاني من مصر، وفي يناير كانون الثاني عام 1953 وبمناسبة الاحتفال بمرور ستة أشهر علي قيام الثورة، أُطلق على الميدان اسم "ميدان التحرير"، وعمدت القيادة الجديدة إلى تغيير الصورة النمطية للميدان المرتبطة بالإنجليز والمقربين منهم، فتم هدم معظم القصور المتواجدة في الميدان، وتحول معمار الميدان صوب سياسة النظام الجديد، من خلال الاحتفاظ بمباني قليلة تمثلت في ثلاثة قصور ومبنى "فندق هيلتون"، وتحولت أنقاض ثكنات قصر النيل التي كان يقيم فيها جيش الاحتلال البريطاني إلى مبنى دائم لجامعة الدول العربية، وهو ما عكس وأظهر أفكار عبد الناصر العروبية حينها.

 

2011: الميدان قلب ثورة 25 يناير
 

هدأت موجة التغيير مدّة من الزمن نتيجة الاستقرار السياسي النسبي، لكن مع حلول نهار 25 يناير عام 2011، تواجد مجموعة من الشباب في ميدان التحرير من أطياف سياسية متعددة للمطالبة بإصلاحات اقتصادية وحقوقية، لكن ما لبث أن تفاقمت الأوضاع والاحتجاجات بحلول يوم 28 يناير وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن، ليحكم المتظاهرون بعدها سيطرتهم على الميدان لمدة 18 يوماً وتتحول المظاهرات إلى اعتصام مفتوح يطالب بإسقاط النظام، إلى أن استجاب رأس النظام المصري حسني مبارك للمطالبات حينها وأعلن تنحيه عن السلطة.

 

ليعلن ميدان التحرير نفسه بذلك رمزًا للحراك الوطني المصري منذ يوم بنائه وحتى يومنا هذا مروراً بالأجيال المتعاقبة.