إبراهيم طوقان …الشاعر القدائي ومبدع "موطني"و "صامت لو تكلما"

 

قَدَر المبدعين الذين يولدون في أزمنة بلادهم المضطربة أن ينتحوا جانباً ويكتبوا في العموميات إذا لم يملكوا الرغبة والقدرة على خوض مجريات يرونها أكبر منهم، أو أن يحملوا همّ تلك القضايا ويجدوا أنفسهم في خضم الأحداث مستغلين إبداعهم للتأريخ والتوثيق وإشعال الهمم وفضح المتورطين.

 

إبراهيم طوقان، الشاعر المجدّد:

 

ولد إبراهيم عام ١٩٠٥ وهو الثاني بين إخوته العشرة، نما حيوياً كثير الحركة، فكهاً، ساخراً، شفاف النفس.

نشأ في بيئة مساعدة في كنف جدّ محب للشعر وأم قارئة نَهِمة للكتب، فضّلَ من الشعراء القدامى المتنبي وقيس بن الأحنف، ومن الحديثين أحمد شوقي.

 

دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت كانت عاملاً مساعداً آخر على تفتح آفاق موهبته فقد جمعت بيروت في مقاهيها وقتها الشعراء والكتّاب ورجال الفكر والعلم المتطور والصحافيين.

 

أتقن الإنجليزية واطلع على روائع الشعر الإنجليزي، وأتقن التركية لغة جدته لأمه، إضافة لإتقانه العربية المعاصرة المتجددة الحيوية، فحاز شهرة ضاربة في بيروت، وكان من محدثي الشعر، يغير الوزن والقافية في نفس القصيدة ويبتعد عن الرتابة والافتعال.

 

مثقّف ناقد يوظف الثقافة من أجل القضية:

 

لم ينأَ طوقان بنفسه عن الأحداث المشتعلة في تلك الأيام، وعى الأطماع الصهونية بأرضه فلسطين، ولم يخف عنه دور الاحتلال البريطاني في تسهيل هجرتهم إليها وتملّكهم للأراضي، وامتلك بين يديه قلماً لاذعاً، فقرر توظيفه لخدمة القضية وتوعية الناس، راح يفضح تجار الأراضي والقادة المتخاذلين والزعامات المتواطئة المُؤثِرة لمصالحها وسلامتِها المُحجِمة عن التضحية، ولم يكتف بتسليط الضوء على السلبيات بل لاحق الإيجابيات وقدّر القيادات الجديرة، فقال عن الشيخ المظفر الذي رفض التوقيع على عدم التظاهر وسجنته سلطات الانتداب البريطاني فيما وقع غيره وانصاعوا:

"إن المظفر من حديد جسمه

فيما أرى

وجسومهم من سكر"

وتوظيفه لأدبه في النواحي النضالية لم يحصر كتاباته في بعد واحد ولم يحبسه في القوالب، فكما كتب الشعر الوطني، كتب كذلك الغزل الرقيق.

 

طوقان ونشاطه الإذاعي:

 

عمل إبراهيم في إذاعة فلسطين مديراً لقسم البرامج العربية وعرّف المستمعين بروائع الأدب العربي قديمه وحديثه، ورفض طلب القائمين على الإذاعة بتقديم البرامج بالعامية.

 

الشعب الفلسطيني طليعة العرب:

 

كان الشاعر يعقد آماله على الفلسطينيين ويرى أن المقاومة قدرهم لأنهم طليعة العرب والثورة ويتجلى ذلك في وصفه لهم:

أفنيت عمرك يا مسكين بالتأوه والحزن

وقعدت مكتوف اليدين تقول حاربني الزمن

ما لم تقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذن؟

 

وجنّد نفسه لإسكات الأصوات اليائسة المُيَئِسة وحرص على إبقاء ثورة الشباب مضطرمة مشتعلة مخاطباً إياهم:

لا تحفلوا بالمرجفين فإن مطلبهم حقير

سيروا بعين الله أنتم ذلك الأمل الكبير

 

ويُعَد طوقان الذي يتراوح شعره بين المحافظة والتجديد من أوائل من ابتكروا الأناشيد القومية كنشيد "موطني" الشهير.

موطني موطني

الجلال والجمال والسناء والبهاء

في رباك في رباك

والحياة والنجاة والهناء والرجاء

في هواك في هواك

هل أراك؟ هل أراك؟

سالماً منعّماً وغانماً مكرّماً؟

هل أراك؟ في علاك

تبلغ السماك تبلغ السماك؟

موطني موطني

 

طوقان، وقصيدته: الفدائي

 

وكالمعتاد من الشاعر في تخليده لقصص الأبطال والثائرين كتب قصيدة الفدائي في محمد أبو طبيخ السباعنة، وهو الرجل الذي حاول اغتيال البريطاني نورمان بينتويتش رئيس النيابة العامة في القدس الداعم لقرارات تهويد فلسطين والمنفذ لها، فأخفقت عملية الاغتيال واقتيد الفدائي إلى السجن لتحكم عليه المحكمة بعشر سنوات.

ولما شهد إبراهيم الحادثة عياناً وتأثر بها فقد كتب قصيدته التي لُحنت فيما بعد واستُخدمَت شارة لمسلسل التغريبة الفلسطينية.

صامت لو تكلما

لفظ النار والدما

قل لمن عاب صمته

خُلق الحزم أبكما

لا تسل عن سلامته

روحه فوق راحته

بدّلته همومه

كفناً من وسادته

 

شقيقته فدوى طوقان

 

لم يكتف الشاعر بالوقوف وراء مبادئه بقوة عبر مناصرة القضية فقط بل كذلك بدعمه لشقيقته فدوى التي حُرمت من المدرسة، فساهم دعمُه في تفجير مداركها حتى ملأ حضورها دنيا العرب.

 

وهي الشقيقة التي وفت لجميل شقيقها فكتبت مقدمة مطولة عن حياته كانت فاتحة لديوانه الذي طُبع لأول مرة عام ١٩٥٥ واحتوى ٧٧ قصيدة من اختيار إبراهيم حافظ عليها شقيقه أحمد طوقان وأضاف إليها عشر مقطوعات غزلية، كما احتوى إلى جانب ذلك مقدمة لأحمد طوقان وكتيباً أصدرته فدوى طوقان بعنوان "أخي إبراهيم" ومثّلت طبعة الديوان هذه الصوت الشعري المعروف لإبراهيم طوقان لجيل كامل من القراء العرب، ثم صدرت طبعة ثانية بعدها عام ١٩٧٥ ضمّت ٣٦ قصيدة جديدة ومكّنت محبيه ومعجبيه بالتالي من الاطلاع على مزيد من إبداعاته التي لم تخلُ يوماً مما يشحذ الهمم ويذكر بالحق المغتصب.

 

 

 

 

المصادر

روائع الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان حياته وروائع من أشعاره، فراس عبد الحميد، ٢٠١٥، دار المناهل

حلقة بودكاست وحي القصيد