أخلاق العرب.. قبس من الفضائل

 

أخلاق العرب قبل الاسلام

لا شك أن في أهل الجاهلية دنايا ورذائل تأباها النفس السوية وتنافي القيم العليّة، لكنهم امتلكوا بالمقابل من كريم الصفات ما يدفع إلى الانبهار والتعجب، ففضائل مثل الكرم والمروءة والوفاء بالعهد وإجارة المستجير والحلم والإباء والصدق لم تكن أبداً بالشىء الغريب عن المجتمع العربي قبل الإسلام، وربما لذلك كان "قول رسولنا الكريم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق

والاستدلال هنا أنه لم يقل "لأغرسها" ولا "لأحييها" وإنما لأتممها، ما دل على أنها كانت متأصلة فيهم من قبل ثم جاء الإسلام لتهذيبها وإتمامها في المجتمع العربي.

 

 

وفيما يلي بيان ببعض فضائل العرب:

 

الكرم

كان الكرم على الدوام صفة لصيقة بالعرب، وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، فلو جاء إلى أحدهم ضيفاً وليس لديه إلا ناقة هي حياته وحياة أسرته كانت تأخذه هزة الكرم فيقوم إلى ناقته وينحرها ليطعم ضيفه، وفي الأشعار العربية والحكايا التي وصلت إلينا الكثير والكثير مما يقص علينا أخبار العرب في هذا، ولعل حاتم الطائي أشهر من عُرِف بهذه الصفة، ورغم ذلك فقد سُئل يوما إن كان هناك أحد قد غلبه في الكرم فقال : نعم، غلام يتيم نزلت بفنائه، وكان له عشرة رؤوس من الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه، و أصلح من لحمه، وقدّم إلي، وكان فيما قدّم إليُ الدماغ، فتناولته منه فاستطبته ،فخرج من بين يدي و جعل يذبح رأسًا رأسًا ويُقدم لي الدماغ و أنا لا أعلم، فلما خرجت لأرحل نظرت حول بيته فوجدت دماً عظيماً، وإذا هو قد ذبح الغنم بأسرها، فقلت له: لمَ فعلت ذلك ؟فقال: تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به، إن ذلك لسُبّة على العرب قبيحة.

قيل لحاتم: فما الذي عوضته؟قال: ثلاثمائة ناقة حمراء، وخمسمائة رأس من الغنم، فقيل: إذن أنت أكرم منه؟ فقال: بل هو أكرم،لأنه جاد بكل ما يملك، وإنما جدت بقليل من كثير.

 

 

الوفاء بالعهد

كان العهد عند العرب ديناً يتمسكون به حتى وإن كلفهم قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وليست تلك مبالغة، إذ يُروى أن امرأ القيس أودع  دروعا عند السموأل بن عاديا، فأراد الحارث بن أبي شمر الغساني أن يأخذها من السموأل فأبى، وتحصن بقصره في تيماء، وكان أحد أبناء السموأل خارج القصر، فأخذه الحارث وهدده بقتله إن لم يسلم الدروع، فأبى إلا أن يفي بعهده، حتى قتل الحارث ابنه أمام عينيه.

 

 

عزة النفس والإباء

كان من بين الفضائل التي دان بها العرب الأنفة وعزة النفس، فكانوا لا يسمعون كلمة قد تحمل معنى فيه ذل أو هوان إلا قاموا إلى السيف، ويذكر هنا أن ملك الحيرة عمرو بن هند قد دعا سيد تغلب عمرو بن كلثوم وأمه إلى قصره، وأثناء الضيافة حاولت أم عمرو بن هند أن تجعل من ليلى بنت المهلهل أم عمرو كلثوم تخدمها في شىء، فأشارت إلى جفنة على الطاولة، وقالت: «يا ليلي.. ناوليني تلك الجفنة»، فأجابتها ليلى: «لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها»، فلمّا ألحّت عليها، صرخت: «وا ذلاه»، فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، وكان جالساً مع عمرو بن هند في مجلس مجاور، فقام إلى سيف معلق وقتله في داره، وانصرف بالتغالبة إلى خارج الحيرة، دون أن يُصب أحدٌ من أصحابه، وانشد في ذلك معلقته الشهيرة وكان مما جاء فيهها:

 بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ

تُطِيْعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِيْنَا

وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ

عَصَيْنَا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَا

إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً

أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا

وكان من نتائج  هذه الصفة ان اورثتهم فرط الشجاعة وشدة الغيرة وسرعة الانفعال.

 

الشجاعة والاقدام

كانت الشجاعة على الدوام محل فخر للعرب وإعجاب الآخرين بهم، وشجعان العرب كثر تمتلىء بهم صفحات التاريخ، ولعل من أبرزهم عنترة بن شداد العبسي الذي يقول مادحا صلابته وبأسه في الحرب:

 

خلقت من الحديد أشدّ قلباً….. وقد بَلي الحديدُ وما بليتُ

وفي الحرب العوان ولدتُ طفلاً… ومن لبن المعامع قد سقيتُ

وإنّي قد شربت دم الأعادي …. بأقحاف الرؤوس وما رويت

 

 

 

 

ولعل تلك الشمائل الكريمة وغيرها كانت سببا في اختيار الله للعرب لحمل عبء الرسالة وإيصالها للعالم وقيادة الإنسانية إلى ما فيه خيرها، وذلك لأن تلك الصفات وإن أدى التطرف فيها إلى جلب حوادث مؤلمة إلا أنها في أصلها أخلاقا ثمينة، تدر المنافع على المجتمع إذا ما تم تهذيبها، وهو ما فعله الإسلام.

وليس ما ذكرناه إلا قبسا مما كان يتمتع به العرب من مكارم حميدة ولمعرفة المزيد ندعوكم لمشاهدة حلقات برنامج "أخلاق العرب" من إنتاج تنوين بودكاست.

 

المصادر:

الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري

مقالات على مواقع الجزيرة.نت وسكاي نيوز