لم ينعم السودان بالاستقرار السياسي منذ إعلانه جمهورية مستقلة. فبعد انفصاله عن مصر عام ١٩٥٦، تناوب على حكمه رؤساء عبر انقلابات وثورات في أغلب الأحيان. وكانت جامعة الخرطوم وشارعها شاهدَيْن على هذا التاريخ المضطرب منذ تأسيسها عام ١٩٠٢.
لم تُعرف الجامعة باسمها الحالي منذ البداية، بل أُطلق عليها اسم "كلية غردون" تيمُّنًا بالقائد البريطاني "تشارلز غردون"، الذي قاتلته جيوش الثورة المهدية عام ١٨٨٥ في سعيها لتحرير السودان من الوصاية البريطانية. وعندما عاد الاستعمار البريطاني عام ١٨٩٩، أراد تأسيس مؤسسة تعليمية لتخريج موظفين سودانيين لخدمة إدارته. فاختار موقعًا استراتيجيًا في وسط الخرطوم، بالقرب من الثكنات العسكرية البريطانية.
اليوم، يمتد هذا الشارع لمسافة ١٢ كيلومترًا، ويضم معالم مهمة مثل القصر الجمهوري، ووزارة الخارجية، وبرج السلطة القضائية، ومتحف التاريخ الاجتماعي.
المقاومة ضد الاستعمار: معركة عبد الفضيل الماظ
شهد شارع الجامعة أحد أبرز أحداث المقاومة ضد الاستعمار في 27 نوفمبر 1924، عندما تصدى عبد الفضيل الماظ، أحد قادة جمعية "اللواء الأبيض" المناهضة للاستعمار والداعية للوحدة مع مصر، تصدى للقوات البريطانية مع وحدته العسكرية قرب جسر النيل الأزرق. استمر القتال حتى اليوم التالي، وعندما نفدت ذخيرة السودانيين، انسحب الماظ إلى المستشفى العسكري (مستشفى العيون حاليًا)، واستولى على مخزن السلاح فيها، وواصل المقاومة من فوق المبنى بمدفع رشاش. لكن البريطانيين حاصروه وقصفوا المستشفى بالمدافع الثقيلة حتى قضوا عليه.
ثورات ما بعد الاستقلال
بعد الاستقلال، ظل شارع الجامعة مركزًا للاحتجاجات. ففي 1964، تجمع أكثر من ثلاثين ألف متظاهر، بقيادة أساتذة الجامعة، للمطالبة بإسقاط حكم الرئيس إبراهيم عبود. وقد قدم موظفو الجامعة استقالاتهم الجماعية، مشترطين التراجع عنها فقط بسقوط النظام العسكري.
وفي 1985، اندلعت انتفاضة شعبية ضد حكم جعفر النميري بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار. تجمع المحتجون في شارع الجامعة بينما كان النميري يتلقى العلاج في الولايات المتحدة. استجاب الجيش للمطالب، وانحاز وزير الدفاع عبد الرحمن سوار الذهب للشعب، فأطاح بالنميري وتولى رئاسة فترة انتقالية.
كان شارع الجامعة أحد الرموز الرئيسية في ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام عمر البشير. تحول الشارع إلى نقطة انطلاق للمظاهرات الطلابية والشبابية التي تدفقت نحو القيادة العامة والقصر الرئاسي. كما أصبح منصة للخطب الثورية والهتافات المطالبة بالتغيير، حتى نجحت الثورة في إسقاط النظام في أبريل 2019.
ظل شارع جامعة الخرطوم شاهدًا حيًا على نضال الشعب السوداني عبر العصور، من مقاومة الاستعمار إلى الثورات ضد الحكومات الديكتاتورية. وهو رمز لتلاحم الطلبة والشعب في السعي نحو مستقبل أفضل للسودان.
